أمطار أسوان في أغسطس! كيف ولماذا؟

مع حلول الأول من أغسطس وبداية العام المائي الجديد للاحتفال بفيضان النيل، هطلت على جنوب مصر خلال النصف الأول من شهر أغسطس المنصرم أمطار رعدية شديدة وصلت إلى حد السيول على مناطق حلايب وشلاتين ورأس بناس ومرسى علم وأسوان وأبو سمبل والأقصر والوادي الجديد نتيجة تقدم الفاصل المداري إلى وسط وشمال السودان وجنوب مصر في ظاهرة يعدها الباحثون أحد آثار التغيرات المناخية.[1] قُدِّرت كمية الأمطار الساقطة خلال تلك الفترة بـ 2.5 مليار م3 من المياه العذبة، وكأنها عطية منحتها تفنوت (إلهة الرطوبة والندي) بالتحالف مع حابي (إله النيل والفيضان) لشعب مصر في ظل أزمة مائية يعاني منها منذ سنوات، ويصاحبها شعور بالترقب والخوف من تأثر حصة مصر من مياه النيل بعد بناء سد النهضة الأثيوبي. في السنوات الأخيرة، أدى ارتحال الفاصل المداري من الجنوب إلى الشمال صيفًا إلى حدوث تحولات مناخية على جنوب مصر وأجزاء متفرقة من البلاد، أثرت بشكل كبير على نمط هطول الأمطار، وجعلت من المنطقة ميدانًا خصبًا لنشاط العواصف الرعدية، حتى في أكثر الشهور المعتادة حرارةً وجفافًا، مما أدى إلى تشكل سيول جارفة تسببت في خسائر للبنية التحتية والممتلكات الخاصة للسكان. وفى الوقت الذي عجت منصات التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع مُصوَّرة للسيول وهي تجتاح مناطق ضخمة من الصحراء المصرية (العوينات وواحات الوادي الجديد) وتُكوِّن بحيرات مطيرة، وتجتاح الشوارع والطرقات، وتسبب انهيارًا في أسقف وجدران المباني البسيطة في قري غرب وشرق أسوان ومركز باريس بمحافظة الوادي الجديد؛ أحجمت وسائل الإعلام المحلية الحكومية والخاصة عن متابعة السيول ورصد أثارها على المواطنين. وتصدر المشهد منظمات المجتمع المدني ومبادرات أهلية بإقامة غرفة عمليات لحصر الأضرار ولإغاثة وتقديم المساعدات لإصلاح المنازل المتضررة.[2] واكتفي المسؤولون التنفيذيون بمحافظتي أسوان والوادي الجديد بمحاولة إعادة فتح الطرق المتضررة مرة أخرى بعد انتهاء السيل لتأمين عبور السيارات والمركبات، والتصريح بحصر التلفيات والخسائر، وتحديد المنازل المتضررة، وكذا الزراعات والشون ووحدات التخزين، وإصلاح التلفيات وتخصيص مقار بديلة للأهالي، لحين رفع كفاءة المنازل المتضررة والانتهاء من أعمال الإصلاحات دون اتخاذ إجراءات حقيقية على أرض الواقع للتخفيف عن المتضررين.[3] البنية التحتية والأمطار مع بداية العام المائي الجديد (2024/2025) أصدرت وزارة الموارد المائية والري بيانًا صحفيًا عن مشروعات البنية التحتية التي نفذتها خلال العام المائي السابق 2023/2024 تحت مظلة “الجيل الثاني لمنظومة الري المصرية 2.0” بهدف تلبية الاحتياجات المائية لكافة القطاعات وتحقيق أقصى استفادة من كل قطرة مياه ودعم مسيرة الدولة المصرية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في شتى المجالات.[4] وأعلنت بأنها تعمل على تطهير 117 مخر سيل في أنحاء الجمهورية قبل موسم السيول والأمطار للحماية من أخطار السيول والأمطار الغزيرة، فضلاً عن إقامة عدد من منشآت الحماية من أخطار السيول، لتوفير الحماية اللازمة للمواطنين والمنشآت وحصد مياه الأمطار لإفادة المجتمعات البدوية واستخدامها في الشرب والرعي، وذلك عن طريق إقامة عدد من البحيرات الصناعية والسدود والحواجز والمجاري المائية الصناعية بمرسى علم، وشمال سيناء، وجنوب سيناء، ومرسى مطروح، والجيزة، والقاهرة، وأسيوط، وقنا، والأقصر، والمنيا، وبني سويف. قدرت هذه المشروعات المُنفذة والجاري تنفذها بـ١٦٣١ عمل صناعي للحماية من أخطار السيول بسعة تخزينية ٣٩١ مليون م3.[5] لم يوضح بيان وزارة الري كيفية استخدام المجتمعات البدوية لهذه المياه المجمعة للاستهلاك الآدمي، وهل يتم تنقيتها قبل استخدام المواطنين لها. إلا أنه بعد نفاد الأمطار، أعلنت الوزارة عن حجزها لـ6 مليون و100 ألف م3 من المياه فقط بمدينتي شلاتين ومرسي علم. وتسربت غالبية الأمطار المقدرة بـ2 مليار م3 من المياه العذبة إلى رمال الصحراء، وعلَق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي للعربية.نت على هذا: “الأراضي الزراعية في توشكي، وحلايب وشلاتين، وأبو سمبل نالت جزءاً من الأمطار، في حين وزعت بقية كميات المياه على السطح المتعطش للمياه منذ مئات السنين، لأن معظم الأراضي شبه مسطحة، ما أدى إلى تكون برك مائية في بعض الأماكن، سرعان ما تختفي نتيجة التبخر الشديد والتسرب تحت سطح الأرض بسبب الطبيعة الرملية[6]“. لتتحول تلك المياه لجوفية يستفيد منها المستثمرين والشركات الزراعية الأجنبية بتوشكي والعوينات، وتصدر منتجاتها الزراعية للخارج، وتؤثر سلبًا على أمننا الغذائي والمائي. في حين تستقر مياه الأمطار التي هطلت على القري والمدن بأنظمة الصرف الصحي لافتقار وسط مصر وجنوبها إلى نظام لصرف الأمطار[7]، أسوةً بمشروعات حصاد مياه الأمطار الجاري تدشينها في محافظتي الإسكندرية[8] ومطروح[9]. وفى مارس 2024 أوصت لجنة الزراعة والري بمجلس النواب بضرورة التعامل مع التغيرات المناخية وإنشاء شبكة موحدة لمواجهة وتدارك مشكلات الأمطار والسيول.[10] بعد أن تقدم البرلماني إبراهيم محمد الديب، عضو المجلس، بطلب إحاطة بشأن خطة الحكومة للتعامل مع مياه الأمطار وعدم الاستفادة القصوى من مياه الأمطار. وتساءل عضو مجلس النواب هل سيكون لدينا شبكة موحدة لتجميع مياه الأمطار؟ المتابع لبيانات ومشروعات وتصريحات المسؤولين بوزارة الري والموارد المائية في شأن الأمطار والسيول سيجد أن تصريحات المسؤولين تصف هذه المشروعات بإجراءات حمائية من أخطار الأمطار والسيول، لمنعها التأثير سلبًا على الطرق والأنفاق والكباري والمدن والقري، دون أن تتضمن بيانات وزارة الري أو تصريحات مسؤوليها كيفية تحقيق الاستفادة من هذه المياه سواء في الزراعة أو تحليتها كمياه للشرب أو حتى تخزينها لحين الحاجة. ولعل هذا يوجهنا إلى فلسفلة الوزارة في التعامل مع مياه الأمطار أو نظرتها لها على أنها شر لابد من الوقاية منه. على العكس من المورث الشعبي المصري في نظرته للأمطار بإنها خير ويتجلى ذلك في عدد من الأغاني الشعبية، مثل[11]: يا رب المطرة تمطر والطيارة تطير … فيها ثلاث عصافير واحدة تصلي وواحدة تصوم وواحدة تدعى للرسولمطري يا مطره على الأعتاب … خشي علينا ببركة الأحبابيا مطره رخي رخي وإيالكِ تُبوخي بردك … على ريش كتاكيتنا وابعدي لسعتك عناوروحي يلا للدابة … دي تخينه وتستحمل عننا شح المياه والأمطار تشير التقديرات الأولية بحسب تصريح عباس شراقي لـ”العربية. نت[12]” بأن كمية الأمطار التي هطلت في الفترة من 1 إلى 10 أغسطس 2024 داخل مصر فقط قدرت بحوالي 2.5 مليار م3، وصل منها إلى بحيرة ناصر نحو 200 مليون م3 (8% فقط) كأمطار مباشرة، ومن مخرات السيول أهمها وادي العلاقي الواقع بجنوب أسوان (الشاطئ الشرقي لبحيرة ناصر)، وهي تعادل تقريبًا كمية المياه التي تصرف من السد العالي يوميًا خلال الصيف في فترة أقصى الاحتياجات”. وبحسب وزارة الموارد والري عبر موقعها الإليكتروني[13] فأنها قد قامت حجز ٦ مليون م٣ من المياه في بحيرة (ب ١) بوادي حوضين بمدينة شلاتين، وحجز ١٠٠ ألف م٣ بالبحيرة (ب ١٢) بوادي أم خريقة بمدينة مرسي علم. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، تساقط على مصر أمطار في عام 2020 فقط بلغت 55.5 مليار م3،[14] تساوي حصة مصر مياه النهر النيل. وقدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2014 بأن المتوسط الإجمالي لمعدل الأمطار السنوي على مصر بـ 8 مليار م3.[15]

عرض حكي “حكايات البحر”

عرض حكي “حكايات البحر”
“شرح هواها.. وشعورها.. شبك وليل طارح
ع البحر.. والبحر فى ننى العيون بارح
دى اسكندرية عروسة بحرها مالح”
-الشاعر سيد حجاب

اشترك في قائمتنا الأخبارية