قانون التصالح بين البناء المخالف والأبعاد الاجتماعية

على مدار العقود الماضية، لم تُكلل محاولات الدولة لمواجهة ظاهرة تفشي المباني المخالفة لكود البناء أو تحجيم نمو المناطق غير الرسمية بالنجاح. ورغم وجود تشريعات تنص على عقوبات مغلظة على المخالفين بغرض الردع، إلا أن هذه القوانين استحال تطبيقها بمثالية. وتراخت جدية الدولة في تنفيذ العقوبات فلم تمثل ردع يُذكَر بحق المخالفين، خاصةً وأن الدولة نفسها أصدرت قوانين استثنائية منذ منتصف الخمسينات وحتى بداية التسعينات تنص على تقنين العقارات المخالفة وإيصال المرافق العامة إليها وإيقاف جميع البلاغات وقرارات الإزالة الصادرة بحقها. ولم تعرقل القرارات التي اتُخذت في عامي 1990 و2011 نشاط القطاع غير الرسمي في إنتاج المباني، بل هددت أمن الحيازة لملايين الأسر المصرية. وبحسب رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي، كانت نسبة المخالفات والنمو العشوائي من التسعينات وحتى عام 2015 تصل إلى 70% من حجم البناء. تتناول هذه الورقة البحثية أسباب البناء المخالف، والإجراءات التي اتخذتها الدولة لمنع تكراره. كما تستعرض قانون التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها والخطوات الإجرائية للتصالح، وتحاول تبين الغرض الذي من أجله أصدرت الدولة القانون وتأثير تطبيقه على المواطنين.

ظاهرة البناء المخالف في مصر

بدأت ظاهرة البناء المخالف في مصر بالانتشار منذ السبعينيات واستمرت إلى الأسوأ. فوفقًا لتقرير صادر عن وزارة التنمية المحلية في مستهل عام 2018، وصل عدد المباني المخالفة التي تم إنشائها في الفترة ما بين يناير 2000 وحتى سبتمبر 2017 إلى 2.8 مليون عقار.   وعلى الرغم من صدور قرارات إزالة لأغلبية المباني المخالفة، إلا أن تنفيذ تلك القرارات لم يكن بالأمر السهل نظرًا لعدة أسباب منها: الدراسات الأمنية المطلوبة لإزالة المباني السكنية، والنزاعات القضائية، بالإضافة إلى شغل العقارات بالسكان.   تنوعت مساعي الحكومة لتطبيق قانون التصالح. ففي البداية عمدت الدولة إلى تهديد المخالفين بالإزالة أو الإحالة إلى القضاء العسكري أو قطع المرافق؛ فقد ناقش مجلس النواب تعديل القانون لقطع المرافق عن المباني المخالفة حال عدم تقدمهم بطلبات التصالح أو الحجز الإداري عليها، أو رفع قيم المرافق ثلاثة أضعاف.   في هذا المقطع المُصوّر (فيديو) نستعرض مشكلة البناء المخالف وما وصلت إليه الحلول المقدمة من الدولة. شاركنا برأيك!    

أرقام حول قانون التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها

رصدت وزارة التنمية المحلية حوالي 132 ألف مخالفة بناء شهدتها مدينة الإسكندرية ما بين يناير 2011 وحتى ديسمبر 2019، منها 7% فقط تم تنفيذ قرارات إزالة بحقها. وأعلن محافظ الإسكندرية في أغسطس 2020 إحالة 1753 قضية مخالفة بناء للنيابة العسكرية كوسيلة لردع المخالفين.

إجمالي أعداد مخالفات وتراخيص البناء طبقًا للقطاع خلال الفترة (2016-2020)

Building violations

صدر قانون التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها في إبريل ٢٠١٩. وبحلول نهاية عام ٢٠٢٠ جاءت نسبة مخالفات البناء أقل ٢٩٪؜ عن تلك التي تم رصدها رسميًا في ٢٠١٩. يبدو للوهلة الأولى أن الفضل في ذلك يعود لتطبيق قانون التصالح وقد يكون هذا صحيحًا إلى حد ما، لكن لا يمكن الجزم بذلك خاصة في ظل الركود الذي لحق بقطاع التشييد والبناء خلال نفس العام بسبب جائحة كورونا وارتفاع أسعار مواد البناء. فقد شهد عام ٢٠٢٠ تراجعًا في أعداد تراخيص البناء إلى النصف مقارنة بعام ٢٠١٩، كما تقلصت أيضًا أعداد الوحدات السكنية التي تم تنفيذها خلال السنة المالية ٢٠١٩/٢٠٢٠ بنسبة ٣١٪؜ عن السنة المالية السابقة لها.

إجمالي مخالفات البناء طبقًا لنوع المخالفة (2017 إلى 2019)

تكشف الإحصاءات الرسمية أن القطاعين الخاص والحكومي/العام/أعمال عام ينتهكان قوانين البناء والقواعد المنظمة له. إلا أن حجم ما يرتكبه القطاع الخاص من مخالفات تفوق بكثير الممارسات السلبية للقطاع الحكومي، حيث استأثر القطاع الخاص وحده بـ93% من جملة مخالفات البناء التي تم رصدها رسميًا على مدار 3 سنوات من 2017 وإلى 2019.

اشترك في قائمتنا الأخبارية