ورقة سياسات حضرية| نحو عدالة مكانية وبيئية

هل حان وقت وضع العدالة المكانية في قلب السياسات العمرانية؟ على مدار عام كامل، غصنا في تفاصيل الإسكندرية عبر مشروع بحثي بعنوان “الإسكندرية تحت المجهر“، حاولنا فيه أن نرى المدينة بعيون سكانها. أعددنا تقارير شاملة عن أحيائها التسعة، بالإضافة إلى مركز ومدينة برج العرب، وجمعنا بين البيانات الرسمية والتفاعل المباشر مع السكان من خلال ورش عمل وأسئلة تفاعلية على المنصات الرقمية. كان الهدف واضحًا: فهم الواقع العمراني والاجتماعي والاقتصادي والبيئي كما يعيشه السكان، وتحويل مشكلاتهم الملموسة إلى توصيات دقيقة. كشفت نتائج المشروع أن المخططات الاستراتيجية الكبرى، رغم وعودها بالتطوير، ركّزت على التوسع الخارجي والجذب الاستثماري، بينما بقي النسيج الداخلي للمدينة يعاني من الإهمال وغياب العدالة المكانية. فبعض الأحياء مكتظة وتعاني ضغطًا خانقًا على الخدمات، في حين تعاني أحياء أخرى عزلة وضعفًا في المرافق. نسبة كبيرة من مساكن المدينة غير رسمية، يعاني كثير منها من التدهور ونقص المرافق. كما يعتمد النقل في بعض الأحياء على وسائل غير رسمية مع اختناقات مرورية مزمنة وضعف في ربط الأطراف بالمركز. الخدمات الصحية تتركز في قلب المدينة، بينما الأطراف تعاني نقصًا. أما البيئة، فتشهد تراجعًا في الغطاء الأخضر، وتقلص في بحيرة مريوط التي تعد أهم المصدات الطبيعية، وتعاني المدينة من مخاطر متزايدة من الغمر وتزايد في الجزر الحرارية، إلى جانب تسييج وخصخصة المساحات العامة وتحويلها إلى مشروعات مغلقة بعد أن كانت فضاءات مشتركة. هذه التفاوتات أفرزت مشكلات متكررة: ازدحام غير متوازن، ومساكن غير رسمية، وفقر في الخدمات التعليمية والصحية والنقل في الأطراف، وفجوة اجتماعية واضحة، وتدهور بيئي متسارع، ومخاطر مناخية غير مُدارة. من هنا جاء الهدف الأساسي للورقة: الانتقال من منطق التوسع والواجهة إلى منطق إصلاح الداخل وتحسين الحياة اليومية للسكان. ولتحقيق ذلك، طُرحت توصيات عملية تشمل: اعتماد معايير الأمم المتحدة والدستور المصري في تصميم الإسكان الاجتماعي، ووضع مؤشرات لقياس العدالة البيئية مثل نصيب الفرد من المساحات الخضراء وزمن الوصول للنقل والحدائق، ووقف خصخصة المساحات العامة وضمان وصول مجاني للشواطئ، وتطوير وسائل نقل مستدامة تربط الأطراف بالمراكز، وتفعيل المشاركة المجتمعية والخبرات العلمية في صياغة وتنفيذ الخطط التطويرية. بهذا، فإن مشروع “الإسكندرية تحت المجهر” لا يقتصر على تشخيص الأزمات، بل يقدم إطارًا عمليًا بديلًا يجعل العدالة المكانية مقياسًا أساسيًا لنجاح أي سياسة عمرانية مستقبلية، بحيث يُقاس النجاح بقدرة كل مواطن على العيش في مسكن لائق، والتمتع ببيئة صحية، والوصول بحرية إلى الفضاء العام، والتنقل بسهولة داخل مدينته.
بين قراءة الصورة وصناعة الإنفوجراف وخرائط المعلومات

“في ظل تسارع التغيرات الاجتماعية والسياسية والبيئية، يؤدي الأرشيف البصري دورًا محوريًا في فهم التاريخين الاجتماعي والثقافي، حيث يمكن للصورة أن تكشف الحقائق بطرق تتجاوز مقدرة الكلمات، خصوصًا حين تتحول الكلمات النصية إلى خطر محدق”. – ياسمين حسين
سيدي سالم وجغرافيا المكان

تأتي هذه الورقة كخامس مخرجات النسخة الثانية من برنامج “باحثي المدينة”، وستُناقش ضمن سلسلة ندوات تُسلّط الضوء على أوراق المشاركين/ات في البرنامج. تأخذنا الباحثة، من خلال معايشتها اليومية في سيدي سالم، للتعرّف على أثر جغرافيا المكان على مسار التنمية الحضرية والتماسك الاجتماعي في المدينة، وذلك من خلال مقارنة مع مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، بالاستناد إلى تحليل البيانات التاريخية والخرائط والملاحظات الميدانية.تتناول الورقة كيف أسهم الموقع الجغرافي والتاريخي لمدينة دسوق في تطوّرها الحضري، في مقابل ما تواجهه سيدي سالم من نقص حاد في الخدمات والتخطيط، مما أدى إلى تفاوتات اجتماعية واقتصادية ملموسة.كما تناقش مفهوم “اللاعدالة المكانية” باعتباره عاملًا بنيويًا يُعمّق الفجوات داخل المدن، مؤكدةً أن العدالة في توزيع الموارد والخدمات تُشكّل ركيزة أساسية لتحقيق تنمية حضرية مستدامة. وتدعو الورقة إلى احترام الهوية الخاصة بكل مدينة، ورفض السعي إلى تجانس المدن وتجريدها من خصوصيتها، مع التأكيد على أهمية دراسة الفروق بين المدينة والبلدة، لا سيّما في حالات مثل سيدي سالم، التي لم تستكمل انتقالها من الطابع الريفي إلى الحضري، وتُعاني من لا عدالة مكانية مُركّبة، عمرانيًا واجتماعيًا.
خريطة استخدامات كورنيش جمصة – 2024

تعرض هذه الخريطة التفاعلية أنواع ومساحات وطول الاستخدامات الواقعة على شاطىء جمصة.
خريطة استخدامات كورنيش بلطيم – 2024

تعرض هذه الخريطة التفاعلية أنواع ومساحات وطول الاستخدامات الواقعة على شواطىء بلطيم.
خريطة استخدامات كورنيش رأس البر – 2024

تعرض هذه الخريطة التفاعلية أنواع ومساحات وطول الاستخدامات المختلفة الواقعة على امتداد شاطىء رأس البر.
خريطة استخدامات كورنيش بورسعيد – 2024

تعرض هذه الخريطة التفاعلية أنواع ومساحات وطول الاستخدامات المختلفة الواقعة على امتداد شاطىء بورسعيد.
نسبة انتشار الفقر بين سكان أقسام الإسكندرية – 2014

تحدد الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها الأفراد كثافة تعرضهم للملوثات كما تحدد الاختيارات المتاحة أمامهم لتجنب التلوث وكذلك قدرتهم على التفاوض مع الجهات الرسمية ومالكي الصناعات الملوثة. تُوضّح الخريطة بالأسفل أن أكثر من نصف سكان ميناء البصل فقراء، ويكاد يصبح نصف سكان مركز برج العرب فقراء، بينما يعيش ثلث سكان أقسام كرموز واللبان والجمركوالدخيلة في فقر. ويمكن ملاحظة ارتفاع معدلات الفقر بغرب إسكندرية؛ حيث تتركز المناطق الصناعية والصناعات الكبرى من أسمنت وحديد وصلب وبتروكيماويات وأدوية. مما يجعلنا نتساءل عن جدوى التصنيع والتحديث إذا لم يحقق الرفاه العام ويوفر فرص عمل لائقة للسكان المحليين تنتشلهم من براثن الفقر والحاجة.1
استخدامات كورنيش الإسكندرية 2024

تعرض هذه الخريطة التفاعلية أنواع ومساحات وطول الاستخدامات المختلفة الواقعة على كورنيش الإسكندرية، بداية من قصر المنتزه شرقاً حتى قلعة قايتباي غرباً، وفقاً لما تم رصده في مارس 2024، وبناءً عليه تم تحديد 9 أنواع للاستخدامات: فنادق، مقاهي، نوادي، شواطئ، مرافئ، مباني تعليمية، أماكن انتظار السيارات، مناطق عمل لصالح مشروع توسعة طريق الكورنيش، أخرى. وتوضح الخريطة أيضاً تأثر رؤية البحر بتلك المنشآت ومدى حجبهم للرؤية.
المسطحات الخضراء بالإسكندرية بين 2013 و 2023| دراسة خرائطية

تضاعفت في السنوات الأخيرة المخاوف من تلوث الهواء داخل المدن، خاصةً بعد تفاقم الآثار الناتجة عن التغير المناخي. ولعل ذلك يجعلنا نتساءل: ما هي المعايير التي وضعتها المنظمات العالمية المعنيِّة بقضايا التغير المناخي وآثاره للحدَّ من تأثير التغييرات المناخية على جودة الهواء داخل المدن؟ سعيًا إلى الإجابة على هذا التساؤل، تبنت الأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية عدة مؤتمرات تمحورت نتائجها حول إيجاد الحلول الوقائية التي تحمي الإنسان في المدينة من أخطار الاحتباس الحراري. كما أقرت ضمن هذه الحلول ضرورة أن يصل نصيب الفرد من المساحات الخضراء إلى 6 أمتار مربعة داخل المدينة حسب المتوسط العام للدول حول العالم[1]. على النقيض، عند النظر إلى وضع المساحات الخضراء الحالي في مصر، يلاحظ تناقص مستمر للمساحات الخضراء في مقابل الزيادة المضطردة للحيز العمراني، مما يؤدي إلى تناقص نصيب الفرد من المساحات الخضراء مع مرور الوقت. الملفت أيضًا أن تناقص نصيب الفرد من المساحات الخضراء داخل المدينة يؤدى بدوره إلى زيادة درجة الحرارة داخل المدن، وزيادة نسب تركيز الغازات الدفيئة في الجو، مما يُؤثِّر على الصحة النفسية والجسدية للإنسان. أشارت منظمة الصحة العالمية أن آثار التلوث الهوائى تتسبب فى وفاة 7 ملايين نسمة كل عام، ورصدت أن واحد فقط من كل عشرة أشخاص يستنشق هواءًا نقيًا كمتوسط عالمي. وهذان مؤشران يعكسان حجم المشكلة البيئية الراهنة والتى يجب اتخاذ كل السُبل الممكنة للتقليل من آثارها[2]. يتفاقم حجم التأثير على المدن دونًا عن باقي المحلات العمرانية، وينتج عن ذلك آثار كبيرة تعاني منها البلد ككل، وذلك بحكم أن المدينة هي الموطن الرئيسي لاستقرار الإنسان؛ حيث يعيش نحو 50% من سكان العالم بالمدن بما يعادل 4.4 مليار نسمة حسب إحصائية 2022. بالتبعية، تتأثر القدرة الإنتاجية لدى الإنسان، وما يرتبط بذلك من آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة على الدولة، حيث يسهم سكان المدن حول العالم بما يُقدر بـ80% من إجمالي الناتج المحلي العالمي[3]. وتُعد المساحات الخضراء داخل الرقعة العمرانية بالمدينة أداة هامة لتقليص الآثار الناتجة عن الاحتباس الحراري وتحسين جودة الهواء. تُوضِّح هذه الورقة البحثية ضوابط ومعايير توزيع المساحات الخضراء داخل المدن، ومدى ملائمة الوضع الحالي في مصر مع هذه المعايير، وتأخذ مدينة الإسكندرية محل حصر، ودراسة للمساحات الخضراء داخل الحيز العمراني للمدينة. تعد المساحات الخضراء من أهم الضروريات للدول الجادة في نيتها للحد من آثار تلوث الهواء والاحترار العالمي، ناهيك عن كونها عنصر أساسي للصحة النفسية والاجتماعية للبشر بالمدينة. وبالتالي، فإن درجة تلوث الهواء بالمدن وآثارها البيئية والاقتصادية والاجتماعية مرتبطة بشكلٍ مباشر بالتزام الدولة بمعايير التخطيط للمساحات الخضراء داخل المدن من عدمه[4]. وبالنظر بعين التدقيق والملاحظة الموضوعية للوضع القائم بالمدن المصرية بشكل عام، فإننا نلاحظ حجم الآثار المترتبة على التناقص المستمر للمساحات الخضراء، كما نلاحظ ازدياد كبير في نسب الوفيات بسبب أمراض القلب والجهاز التنفسي التي ترجع مسبباتها في المقام الأول إلى تلوث هواء المدن بسبب زيادة تركيز الغازات الدفيئة وكثرة العوالق. ولا يمكن أن نغفل عن أثر التلوث الهوائي في تدهور الصحة النفسية والذهنية لإنسان المدينة خاصًة بالمدن عالية الكثافة. ولعلّ تلك المساحات الخضراء هي إحدى العناصر الأساسية التي كانت تحِدّ من هذه الآثار، وفي تناقصها وفقدانها في بعض المدن الأثر الأكبر في زيادة حِدة التلوث الهوائي داخل هذه البقاع الحضرية من البلاد[5]. تبرز أهمية تسليط الضوء على المسطحات الخضراء من الناحية الإحصائية والمعلوماتية، وكذا الحقوقية من حيث حق الإنسان في المدينة، والحق في الحدائق والمجال العام. فيما يلي تحديد للوضع المستهدَف، والوضع القائم، لتتضح أبعاد المشكلة بالمقارنة بينهما، تمهيدًا لوضع الحلول العملية الممكنة بهدف تغيير الوضع الحالي. الهوامش [1] Borelli, Simone et al, Urban Forests: A Global Perspective, FAO, Rome 2023. fao.org/3/cc8216en/cc8216en.pdf [2] أخبار الأمم المتحدة، “منظمة الصحة العالمية: الأدلة واضحة، تغير المناخ له تأثير خطير على حياة البشر وصحتهم”، 5 ديسمبر 2018. https://tinyurl.com/4bezrv9p [3] البنك الدولى، “التنمية الحضرية”، 3 ديسمبر 2023. https://www.albankaldawli.org/ar/topic/urbandevelopment/overview [4] إيمان عبد العظيم، “تغير المناخ في المناطق الحضرية”، مركز دعم واتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء، 6 أكتوبر 2023. https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8863 [5] صحيفة الشرق الأوسط، “5 فوائد صحية للمساحات الخضراء في المناطق السكنية”، 13 مايو 2022. https://n9.cl/ezrd9