أين الإسكندرية التي في الإعلان

عكس الإعلان الترويجي الأخير الذي ظهر فيه النجم محمد صلاح الروح التي يتغنى بها السكندريون طوال الوقت؛ التمشية، وتناول مأكولات ذات نكهة طاغية أو “حرشة”- كما يُطلق عليها بالعامية المصرية- والجلوس على سور الكورنيش. يتبروز هذا في الإعلان، حيث تظهر مجموعة جالسة على سور الكورنيش التراثي في منطقة بحري، تضم بائعة، وأصدقاء ملتفين حول عربة طعام، وصيادين، وآخرين يستمتعون بوقتهم في منطقة عامة مفتوحة، ويشاركهم بحماسة محمد صلاح وزميله السابق في نادي ليفربول ديان لوفرين. يجلس صلاح على سور الكورنيش يتأمل البحر في انتظار الطعام، وفي الخلفية يغني عبد الحليم حافظ “وأنا ماشي ليالي، ولا داري بحالي”، بتوزيع جديد ممزوج مع عبارة Don’t Stop (لا تتوقف) في إشارة بليغة لحالة السكندرين المعاصرين محبي التسكع بالرغم من انحسار الأماكن المتاحة على الكورنيش أو المساحات العامة في المدينة. تعلق السكندريون أكثر بالإعلان؛ لتمركز أحداثه في كورنيش منطقة بحري ومحيطه والذي يخضع- وفقًا لموقع مبادرة تضامن- إلى أنظمة حماية التراث، ولذلك لم يُغمر بعد بالمطاعم والكافيهات الحاجبة للرؤية، فبات من المناطق القليلة والنادرة التي يتمتع فيها أهالي الإسكندرية بأنشطة عامة مثل التمشية، ووجود ملاهي شعبية بجانب مسجد أبي العباس المرسي المطل على السور التراثي، وتناول وجبات بيتية أو شعبية ذات تكلفة بسيطة، ثم التحلية (تناول الحلو) أو التسالي والمقرمشات، في تجلي واضح لمفهوم الحق في المدينة عند عالم الاجتماع الفرنسي هنري لوفيفر باعتبارها فضاءً ديمقراطيًا تعدديًا يتمتع فيه جميع السكان بالمساواة في الحقوق والفرص والمنافع.
وضع المساحات العامة في مصر وتأثيرها على النساء

تستخدم النساء المساحات والمواصلات العامة بشكل يومي للتنقل أو التنزه أو لقضاء حاجاتهم الأساسية. ولا تعد المساحات العامة مجرد وسيلة للانتقال كما تبدو، إنما تعتبر عاملًا مؤثرًا على حياة النساء في مختلف مجالات حياتهن. حيث تلعب المساحات العامة دورًا مهما في السماح للنساء بممارسة نشاطهن الوظيفي سواء كان بالقطاعات الرسمية أو غير الرسمية أو الأعمال المنزلية، حيث يتطلب منهن ذلك النشاط الوظيفي استخدامات متعددة ومتشابكة للمساحات العامة، وبأشكال معقدة أكثر من الرجال. تواجه النساء عواقب كثيرة في الوصول للمساحات العامة، ويحدث ذلك بسبب عدة عوامل، منها تقسيم الأدوار الاجتماعية بين النساء والرجال، وهو ما يسمى بالفصل ما بين الخاص والعام. وبناءً على هذا التقسيم، يركز الاهتمام على المجال العام باعتباره مدر للربح، وهو مجال يهيمن عليه الرجال، وبالتالي تصمم المساحات العامة ملائمة لاحتياجاتهم فقط في إغفال تام لاحتياجات النساء، لما عليهن من أدوار مضاعفة في القيام بالدورين الإنجابي والإنتاجي. كما أن التقسيم الجندري للعمل يؤدي لغياب البنية التحتية المناسبة للنساء للوصول والتنقل في المساحات العامة، مما يؤدي إلى إقصائهن منها ولحصر أدوارهن في الأعمال المنزلية.