الإسكندرية لا ترى البحر

تنظر محكمة القضاء الادارى بمقرها بمجلس الدولة بالإسكندرية بتاريخ 2018/11/24 الموافق السبت القادم دعوى قضائية أقامها مواطنين لرفض التدمير المتعمد لشواطئ المدينة والبناء عليها ومنعهم من رؤية البحر والاستمتاع به، والاستغلال الأمثل له، وخصخصة شواطئ المدينة لمن يدفع أكثر .

وتعد الواجهة البحرية لأي مدينة بالعالم ..أهم جزء فيها .. المتنفس الطبيعي لسكان وزوار المدينة وأهم مكان جذب جمالي وسياحي لديها، وعندما تكون هذه المدينة تاريخية ومن أقدم مدن العالم، وكانت من أهم المدن عبر حضارات التاريخ المتعاقبة، تعد واجتها البحرية هي صلتها بالعالم الخارجي ونقطة التواصل بالآخرين. ومن ثم يكون هناك التزام على مسؤوليها بحماية وتنمية الواجهة البحرية. واستغلالها بأفضل طريقه للاستثمار موقعها وتاريخها لأعاده نتائج التنمية لمواطنيها.

ولكن بالإسكندرية و بدلاً من استغلال المحافظة الميزة الكبيرة التي منحت لسكان المدينة باستغلالها لصالحهم .. مثلما يحدث بجميع المدن المطلة على البحر والتي تتنافس في الجذب السياحي العالمي عن طريق تصميم الواجهة البحرية وتنسيق الحدائق وممرات المشاة وممرات الدرجات، وجلسات مجانية للسكان والزوار، وتوفير شواطئ امانه مجانية، بتنظيم مسابقات يتنافس فيها المصممين المعماريين لأفضل الحلول واستغلال الواجهات البحرية، لتجميلها وجعلها متاحة للجذب السياحي المحلى والعالمي، وبعد أن كان البحر هو عنصر الجذب السياحي الأول لمدينة الإسكندرية قامت الجهة الإدارية بغلقه أمام الآلاف من مواطنين الإسكندرية و زوارها بالبناء العشوائي على الشواطئ. المتمثل في نوادي اجتماعية ومقاهي ومطاعم وتخصيص شواطئ خاصة للفنادق وتقليص الشواطئ المجانية وتحويل أحدي الشواطئ لجراج (شاطئ الشاطبي) والبناء المستمر على حرم الشاطئ (200 متر من مياه البحر) بالمخالفة للدستور وقانون البيئة في عدم مناطق(سيدى جابر، لوران، ثروت).

فأصبح التمتع بالبحر بمدينة الإسكندرية فوق طاقة المواطن البسيط من محدودي الدخل أو حتى متوسط الدخل، فأما أن تكون منتمياً إلى أحد الفئات التي أصبحت مسيطرة ومحتلة عن طريق نواديها وفنادقها شواطئ بأكملها (محامين-أطباء-معلمين-شرطة -مهندسين ..الخ) فضلاً عن المقاهي والمطاعم والمناطق الاستثمارية، أو ان مواطناً جانبه الحظ ” مواطناً عادياً” برؤية البحر، بالرغم من أن هذه الشواطئ أموال عامة ولها حرمة، إلا أن محافظة الإسكندرية اتخذت الأملاك العامة سبيلاً للاسترزاق فأصبح البحر وهو من أهم مصادر رفاهية المواطنين والتمتع به مسلع وقابل للبيع و الاستثمار .

وبرغم من تأثير البيئة الطبيعية على صحة الانسان وسلامته وخاصة المساحات الخضراء وبرغم من أنها غير متوفرة بشكل كاف ومساوى لجميع سكان الإسكندرية يشكل الكورنيش ومساحته المفتوحة مجالاً للتجول والفسح و لممارسة رياضة المشي، وركوب الدراجات، واللعب والأنشطة الأخرى التي تمارس في الهواء الطلق ، للمجموعات السكانية ذات الدخل المنخفض، وبالتالي يعزز شاطئ الإسكندرية الإنصاف الاجتماعي لذوى الدخل المنخفض من سكان المدينة و المصيفين.

و ظهرت فكرة تقسيم شواطئ الإسكندرية وجعلها برسوم مع الألفية الثانية في عهد اللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية ووزير التنمية المحلية الأسبق في 2010، والذى طبق النظام الجديد في طرح بعض من شواطئ الإسكندرية للإيجار التي كانت جميعها مجانية في ذلك الوقت إلى نظام المزايدة العلنية لتنقسم الشواطئ إلى مميزة وسياحية ومجانية، وبدأ تقسيم الشاطئ الواحد الى أكثر من شاطئ مثل سيدى بشر 1 وسيدى بشر 2 لسهولة الطرح. إلا أن عدد هذه الشواطئ المجانية لم يستمر طويلا، وبدأ عددها يتناقص عامًا بعد عام، حتى تقلص عددها من 20 شاطئ عام 2010 الى 5 شواطئ مجانية فقط عام 2017، زادوا إلى 7 عام 2018، الأمر الذى يزيد العبء على كاهل المواطن البسيط، ويحول دون تمتعه بهواء البحر ومياهه التي هي بالأساس ملكية عامة وفق ما ينص عليه ويقره الدستور المصري.

وبدأت الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية على مدار السنوات الثمانية الاخيرة في تطبيق نظام جديد في طرح الشواطئ، وهو نظام شواطئ “الخدمة لمن يطلبها” ويعنى دخول المواطن مجانًا إلى شاطئ البحر، تاركا له حرية الاختيار في استئجار شمسية وكراسي من القائمين على استئجار الشاطئ، إلا أن الواقع لا يشير الى أن المواطن لدية حرية الاختيار بعد سيطرة المستأجر على الشاطئ، ومع ارتفاع سعر استئجار الشمسية والكراسي أصبحت تلك الشواطئ لا تختلف كثيرا عن الشواطئ السياحية.

و فى هذا العام أعلنت الادارة المركزية للسياحة والمصايف تقسيم شواطئ الاسكندرية الى 51 شاطئ وحددت الإدارة 7 شواطئ مجانية للمواطنين وزوار المدينة تديرها المحافظة مع تقليص مساحتها، هي المندرة، وميامي، والسرايا، وجليم، بالإضافة إلى والمكس، وشهر العسل، والهانوفيل غربًا وهم خارج كورنيش الإسكندرية التاريخي الممتد من المندرة إلى الأنفوشي. ويُسمح فيها للرواد باصطحاب الشماسي والكراسي الخاصة بهم دون دفع رسوم (طبقاً لموقع المحافظة) لكن في الواقع يفرض البعض سيطرتهم على الشاطئ ويقومون بفرض اتاوات على رواد الشاطئ لاستخدامه.

فى حين أن هناك 22 شاطئا يطلق عليها “الخدمة لمن يطلبها”، وهي سيدي بشر، العصافرة غرب، أبوهيف 1، أبوهيف 2، الأنفوشي الشرقي، الأنفوشي الغربي، رأس التين خدمة، الدخيلة شرقي، الدخيلة غربي، تقسيم الملاح، هدير، سيدى كرير1، سيدي كرير2، أبو يوسف 2، مارينا أبو يوسف، السلام، زهراء الهانوفيل، أب ويوسف 1، فاميلى بيتش، شط إسكندرية، الصفا، هانوفيل خدمة ويبلغ سعر تذكرة دخول أي من تلك الشواطئ 5 جنيهات شاملة سعر الترابيزة والكرسي والشمسية (بحسب موقع المحافظة).

فيما حددت للإدارة المركزية للسياحة والمصايف 19 شاطئ مميز: المندرة 2، العصافرة شرق، ميامى المميز، سيدى بشر1، سيدى بشر 2، أبوهيف المميز الشرقي، أبو هيف المميز الغربي، السلسلة، القويرى، بليس 1، بليس 2، رأس التين، الهانوفيل الغربي، البيطاش 1، البيطاش 2، الهانوفيل شرق، الهانوفيل 2، أبوتلات 1، أبوتلات 2، ويبلغ سعر تذكرة دخول الفرد للشواطئ المميزة 10 جنيهات شاملة أسعار الترابيزة والشمسية والكرسي، وغير مسموح فيها باصطحاب الكراسي والشماسي.

بينما تم تخصيص 3 شواطئ سياحية هي المندرة 1 وسيدي بشر 2 (البوريفاج سابقًا)، وستانلي وتبلغ سعر تذكرة بها 15 جنيها شاملة الكرسي والترابيزة والشمسية و جميع الخدمات.

في الذات السياق لم يسبق للحكومة أن وضعت رؤية خاصة بمدينة الإسكندرية اشترك فيها المواطنين رؤي لتنمية مجتمعهم المحلى. وللشاطئ أكثر أهمية مما هو عليه اليوم. إذ يعيش أكثر من 5.226 مليون مصري بها ويزورها ملايين من المصيفين كل صيف ومن المتوقع أن تستمر الزيادة السكانية وهذا الاتجاه بالهجرة إليها نظراً لانعدام فرص التنمية بالمحافظات المجاورة. حيث يبحث الناس عن فرص التعليم العالي والعمل.

ومن المتوقع بحلول عام 2020 سيختفي شاطئ الإسكندرية المعروف عن الأنظار تماماً إذا استمرت الدولة على نهج البناء عليه وحجب الرؤية بسواتر اسمنتية، وستختفي الشواطئ المجانية بالمدينة الساحلية والتي تعتمد عليها بشكل جوهري صيفاً لتنمية مواردها المالية.

ولذلك تحتاج الإسكندرية إلى مخططات تنموية حقيقة وواقعية وحلول مبتكرة للمساعدة على إقامة مجتمع يتمحور حول احتياجات سكانه، حيث يشارك المواطنون في التأثير في الكيفية التي يعيشون بها ويتفاعلون بها مع مجتمعهم المحلي، وهو ما أكد عليه الدستور المصري وقانون البناء الموحد بضرورة اشراك المواطنين بالمخططات الاستراتيجية لمدنهم.

ونحتاج لإسماع هذا الصوت ولا ينبغي أن يكون غداً، بل ينبغي أن يكون هنا والآن، فالوضع خطير. ومن ثمَّ يجب علينا التصرف هنا والآن. ولمواجهة هذا الوضع المستعجل، ونود من خلال هذه القضية واتخاذ المسار القضائي أمام محكمة القضاء الإداري المصرية التعبير عن غضبنا وإسماع اصواتنا الرافضة لتدمير الاسكندرية، لا سيما في مجال مكافحة تغير الواجهة المائية الطبيعية التي تتمتع بها الإسكندرية، لأنه لا يهدد مستقبل مجتمعاتنا فحسب، بل يتيح أيضا فرصة لتغيير طريقة عيشنا. فهي محاولة من أجل السعي دون انقطاع إلى إيجاد مجتمع أكثر عدلاً وإنسانيةً واستدامةً.

ولذلك، يقع علينا الآن عبء محاولة الوقوف في وجه التدمير المنظم لصورة الإسكندرية الساحلية، وخلق مدينة محاصرة بالمباني الإسمنتية، يستمتع برؤية البحر من يدفع أكثر ،

وفي كنف الإسكندرية سيتبن هل سننجح كمواطنين في القضاء على الحملة الشرسة لتدمير مديتنا أم سنستسلم إلى مزيد من انعدام المساواة؟

وهل ستكون الاسكندرية مثالاً لباقي المدن لإجبار الجهات التنفيذية على اتخاذ مسار أكثر استدامة للتنمية بتوفير سبل استفادة جميع المواطنين من الشواطئ والمساحات خضراء والاماكن العامة، وتكون آمنة وشاملة للجميع ويمكن الوصول إليها، للمساهمة فى تحسين صحتنا البدنية والنفسية، وتعزيز مجتمعاتنا المحلية، وجعل مدننا وأحيائنا أكثر جاذبية للعيش والعمل، أم ستكون الإسكندرية هي بداية الانحدار لباقي مدن مصر؟

ولذا ندعو جميع السكان الرافضين والمهتمين بالمحافظة على صورة الإسكندرية وشاطئها التاريخي وواجهتها البحرية المميزة إلى التدخل في الدعوى القضائية بالحضور يوم السبت القادم بمحكمة مجلس الدولة بمقره بسموحة لأبداء رغبتهم بالتدخل في الدعوى ورفض البناء على حرم الشاطئ وتدميره.

اقرأ ايضًا:

اشترك في قائمتنا الأخبارية