أين نحتمي من الشمس والمطر؟ التظليل في شوارع الإسكندرية

طوال العام يبحث سكان الإسكندرية- التي تبلغ مساحتها 2,879كم2 ويتجاوز عددهم خمسة ملايين نسمة[1]– عن مكان مظلل يخفف من حرارة الشمس التي قد تصل إلى 37 درجة مئوية في حالة الموجات الحارة[2]، ومكان آمن يحتموا به من أمطار الشتاء. فيُعد التظليل عنصرًا أساسيًا من عناصر التصميم الحضري للمدينة. وبحسب الهرم السكاني من تعداد السكان 2017 لسكان الإسكندرية، تبلغ نسبة من هم في المرحلة العمرية 5 سنوات إلى 25 سنة 26% من إجمالي سكان المحافظة و5% لمن هم فوق الستين وتبلغ نسبة النساء 33%[3]، بالتالي فإن التظليل سواء بالتشجير أو استخدام عناصر معمارية أخرى حسب حاجة الموقع يعد عاملًا مهمًا للراحة والوقاية من الإجهاد الحراري وهبوط الدورة الدموية، وليس مجرد تفصيل جمالي في تصميم المدينة.

يُقصد بالتظليل أي غطاء يمنع وصول أشعة الشمس المباشرة إلى الأرض أو إلى واجهات المباني، وهو من أهم وسائل التبريد الطبيعية في المدن؛ إذ يساعد على تقليل درجات الحرارة ويحد من ظاهرة الجزر الحرارية التي تزيد من الشعور بالإجهاد الحراري[4].

وفي التصميم المعماري والحضري، لا يقتصر التظليل على الشوارع والساحات العامة، لكنه يبدأ من تصميم المباني الذي يُراعى دائمًا اتجاه المبنى بالنسبة لمسار الشمس. وتُستخدم عناصر خارجية تُعرف بالكاسرات الرأسية أو الأفقية لتقليل تعرض الواجهات للحرارة المباشرة، ويُؤخذ في الاعتبار البصمة الكربونية لمواد البناء. وفي مستوى التخطيط الأوسع، تُستخدم الأشجار المُظللة المناسبة لطبيعة المناخ والتربة، والممرات المُغطاة، والمظلات الثابتة أو القماشية لخلق بيئة أكثر راحة للمشاة.

اختيار الوسيلة المناسبة للتظليل يرتبط بعدة اعتبارات، منها فعاليتها في توفير الظل الحقيقي، ومدى تكيفها مع المناخ الساحلي الرطب والملوحة في الإسكندرية، فضلًا عن تكلفتها وصيانتها المستمرة، وقيمتها البيئية في دعم التنوع الحيوي وامتصاص الكربون. ولذلك فإن التظليل ليس مجرد خيار جمالي أو معماري، بل استراتيجية متكاملة لحماية الإنسان والمدينة من الضغوط المناخية والبيئية والعمرانية.

لكن ليست كل أنواع التظليل متشابهة في أثرها. فالتظليل الإيجابي هو الذي يحقق التوازن بين الحماية من الشمس وتحسين جودة الهواء، مثل استخدام الأشجار والممرات المغطاة بالنباتات أو المظلات الخفيفة القماشية. هذه العناصر تقلل الحرارة، وتزيد من جمال المشهد، وتدعم التنوع البيئي في المدينة.

أما التظليل السلبي فيحدث عندما تُستخدم المواد الخرسانية الثقيلة لإقامة مظلات أو محطات انتظار ركاب، ورغم أنها تُوفر ظلًا وحماية من الأمطار، إلا أنها تحتجز الحرارة وتشعها مرة أخرى، فتزيد الإحساس بالحرارة بدلًا من تقليله. وفي هذه الحالة يصبح التظليل مشكلة إضافية وليس حلًا، كما الحال في محطات انتظار الركاب ومناطق الجلوس الموجودة على طريق كورنيش الإسكندرية الذي تميز دون غيره من الطرق بوجود محطات انتظار لمستخدمي المواصلات العامة حتى وإن كانت خرسانية.

كما يقوم من يسكن في الطابق الأخير بعزل السطح أو تغطيته بالنباتات لتقليل الحرارة داخل البيت، يمكننا أن نتخيّل شوارع المدينة بسقف يُظللها. وتحتاج الشوارع أيضًا إلى “عزلها” من الحرارة وحماية المشاة ومستخدمي المواصلات العامة من مياه الأمطار من خلال الأشجار والعناصر المظللة المناسبة وتقلل من حرارة الشوارع. فالتظليل هنا ليس رَفَاهيَة؛ بل هو وسيلة لحماية المدينة وسكانها طوال العام.

صورة أرشيفية للمنطقة المُظللة بكورنيش لوران (تصوير أحمد ناجي دراز)

وعلى الرغم من أهمية التظليل في مواجهة الحرارة، لكن المبادرات القومية لتشجير المدينة لا تزال غير كافية كمبادرة 100 مليون شجرة، فكان من المتوقع زرع 305 ألف شجرة في الإسكندرية في العام المالي 2022-2023 لكن تم زراعة 133 ألف شجرة فقط.[5]

يتزامن هذا مع إزالة المساحات الخضراء والأشجار بهدف توسعة الشوارع والميادين الرئيسية كشارع أبو قير وخاصةً ما حدث بأشجار ونخيل منطقتي رشدي وسبورتنج، وذلك بداعي التطوير وإصابة الأشجار بالتسوس. وفي حال زراعة أشجار جديدة، تحتاج لسنوات من العناية ليظهر أثرها على المدينة. أما استبدال المساحات الخضراء بالعشب أو الأرضيات الأسمنتية أو نخيل، فلا يوفر ظل مناسب للمستخدم.

على أي حال، خضراء أو رمادية، الأهم أن يجد من يحتاجوا الوقاية من الإجهاد الحراري ومطر الشتاء الظل المناسب، وألا يضطروا إلى مواجهة سماء المدينة طوال العام.


[1] محافظة الإسكندرية، خريطة مشروعات مصر. https://tinyurl.com/3r6rk77p

[2]“History Climate, Climate Modelled, Alexandria, Egypt” Meteoblue (2025) https://tinyurl.com/ye8yx6pz

[3] “سكان ومساكن، تعداد مصر” الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (2017)

[4] “الجزر الحرارية في مدينة الإسكندرية| دراسة في المناخ التطبيقي” الإنسان والمدينة للأبحاث الإنسانية والاجتماعية (2024) https://tinyurl.com/mvccfesm

[5] “ما فعله التطوير بالأخضر: حدائق مدينة الإسكندرية”، الإنسان والمدينة للأبحاث الإنسانية والاجتماعية (2024) https://tinyurl.com/2jj5strk

اقرأ ايضًا:

اشترك في قائمتنا الأخبارية