Search
Close this search box.

العنف البيئي سلاح أيضًا!

هل الناجون ناجون حقًا؟

 في أغسطس 2023، نشرت وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية خبر عاجل نصه “الدود يخرج من الثلاجات، وتنهش الكلاب الجثث في غزة[i]“.

ليقف الشريط في وضع ثابت، لنفحص الصورة، وننظر للراية المنشورة المتمزقة، لكنها ما زالت مرفوعة، تصارع الرياح المسعورة.

الوضع الثابت: العنف البيئي … سلاح أيضًا

ظهر مصطلح العنف البيئي مع بدايات القرن الحالي، واهتم بدراسته علماء وباحثي العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، تعامل بعض الباحثين معه كأداة تحليلية لطبيعة العنف الإنساني، بينما تعامل معه علماء البيئة كمفهوم مستقل يُدرس من خلال تفاعلات الإنسان مع البيئة. أُسس مفهوم هذا المصطلح الباحثين نانسي لي بيلوسو ومايكل واتس في كتابهما البيئات العنيفة؛ حيث وصفوا العنف البيئي كأثر ناجم عن تقاطعات العلاقات الاجتماعية للإنتاج والسلطة.[ii]  بينما يعرفه الكاتب ريتشارد أ. ماركانتونيو في كتابه العنف البيئي “بأنه ضرر يعيشه الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر، بفعل ملوثات سامة أو غير سامة ينتجها الإنسان، تنبعث في الأرض.[iii]

تنقسم أشكال العنف البيئي وفقًا لنتائجها، حيث يقسمها كتاب البيئات العنيفة إلى تقاطعات مادية ورمزية، منظمة وغير منظمة، مدعمة من الدولة وشعبوية، وأي مزيج بين أثنين أو أكثر من تلك التقسيمات[iv]، بينما تصنفها ورقة بحثية أخرى إلى[v]:

  1. العنف بين الناس على الموارد الطبيعية
  2.  العنف السياسي الموجه نحو البشر
  3. السياسات البيئية التي تضر بالإنسان
  4. الظواهر البيئية التي تنتج بفعل تعديات الإنسان على الأرض
  5.  الضرر المباشر للبيئة من الإنسان والتي تهدد وجودهم.

بناءً على هذه التصنيفات، يمكن تناول العنف البيئي كمزيج من الأفعال والتوترات بين الإنسان والبيئة، تسبب ضرر جسيم على كل ما يحيط بالإنسان، وتُشكِّل الحروب واحدة من أقوى صور العنف البيئي، فهي تخلف ورائها دمارًا في النظام البيئي بشكل عام وعلى رأسه الإنسان. 

لنفحص الصورة: غزة

استشهد 14854 إنسان في قطاع غزة وأصيب 36000 حتى 26 نوفمبر الجاري[vi]، وأُغلقت 65% من مرافق الرعاية الأولية و69% من المستشفيات حتى 17 نوفمبر[vii]. ومع توالي عمليات القصف على المستشفيات وآخرها- حتى وقت كتابة المنشور- قصف ساحات مستشفى الشفاء ومحيطه، ومحيط مستشفى القدس بمنطقة تل الهوى بمدينة غزة، ومنع وصول عربات الإسعاف إلى أماكن التوغلات، أدى ذلك إلى ترك الجثث ملقاة على الأرض (بيان جمعية الهلال الأحمر بتاريخ 12 نوفمبر).

يوثق مقطع فيديو لأحد الصحفيين مشهد جثث تحضن الطرقات، فيتساءل الجميع عن مصير تلك الجثث! لمَ لمْ ينتشلهم أحد بعد؟ فتجد في المقتطف التالي مقطع لموظف في فرقة الإنقاذ ينهار بعد انتشال طفلة من الأنقاض، ثم مقطع لطفل يحفر بيده في الأنقاض أملًا في الوصول لفرد من أسرته، ثم مقطع لمسعف خرج من العربة لحظة وصوله لساحة مشفى؛ ليصرخ من هول ما رأى،  ثم تعود لتقرأ في بيان جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عن محاصرة المستشفيات وحرمانها من المساعدات، وعزلها عن العالم، مما عرض حياة الجميع للخطر، وتختم بتقرير صحفي حول تصريح مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة محمد أبو سليمة عن انتشار الجثث في ممرات المشفى، وبسبب انقطاع الكهرباء عن برادات الجثث، اضطر العاملين إلى دفن ما يقرب من 179 جثة في حرم المجمع.

تعد تلك الجرائم تابعة للجريمة الأكبر والتي تؤثر على أهالي غزة وأرضهم الآن وفي المستقبل، وهي سلسلة الغارات والقصف الذي وصل حجمها لما يزيد عن 25 ألف طن، من بينها قذائف بالفسفور الأبيض؛ التي تعد من الأسلحة المحرمة دوليًا، تسبب فيما يزيد عن 223000 مبنى سكني حتى 14 نوفمبر 2023، يترك خلفه آلاف الفلسطينيين تحت الأنقاض لمدة تخطت الثلاثين يومًا.

أكدت الدكتورة سمر عبد العظيم؛ أستاذة الطب الشرعي بجامعة عين شمس، في حديثها مع العربية.نت:

“يمكن للإنسان في المجمل العيش بدون ماء لمدة 3 أيام حسب حالة الجو ودرجة الحرارة وفقدان جسمه للسوائل، ويبقى كذلك وبدون طعام لمدة 18 يوما، لكن هذا يتوقف على عوامل كثيرة منها صحة الإنسان القابع تحت الأنقاض وعمره وإصاباته التي أصيب بها.”

تصور لنا تلك الإشارة وضع القابعين تحت الأنقاض، فمنهم من تخطى اليوم الثامن عشر بأيام طوال، وصار الأمل في إنقاذه ضئيلًا، وتحول لسؤال “ما المصير، لمن تحت الأنقاض وحاضني الطرقات والعالقين في الحياة؟”

ننظر للراية المنشورة: كل ما سبق..دليل

تصارع فلسطين الآثار الجانبية للحرب منذ عقود، فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، عانت غزة من انتشار الأمراض التنفسية، والتي صارت سادس أكثر أسباب الوفاة شيوعًا. ووفقًا لمرصد الصراعات والبيئة، تسبب عدوان مايو 2021 على قطاع غزة في خراب البنية التحتية لمنظومة الصرف الصحي، حيث تضررت 109 منشأة للصرف الصحي[viii]، مما أدى إلى تسرب المياه الملوثة وغير المعالجة في الشوارع وفي البحر المتوسط. أما في الحرب الحالية، نقل موقع “دولة فلسطين – سلطة المياه” تصريح رئيس السطلة المهندس مازن غنيم يؤكد فيه أن “حجم الدمار طال جميع المرافق في غزة ومنها قطاع المياه والصرف الصحي”[ix]. بينما تطلعنا صفحة بلدية غزة في منشور لها على الفيسبوك يوم 27 أكتوبر على صور لتسرب كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي في منطقة البلاخية بمعسكر الشاطئ بسبب القصف.

 يشير تقرير منظمة الصحة العالمية بتاريخ 8 نوفمبر إلى توثق لبلاغات عن إصابة أكثر من 33551 حالة إسهال، ينتشر أكثر من نصفها بين الأطفال الأصغر من خمس سنوات، و8944 حالة إصابة بالجرب والقمل، و12635 حالة طفح جلدي، و54866 حالة إصابة بعدوى في الجهاز التنفسي العلوي. كما يرصد هذا الحدث تقرير مصور من قناة العربية في 11 نوفمبر عن انتشار الأمراض بين أطفال غزة بعضها معدي؛ مثل النزلات المعوية والجرب والتهاب الجهاز التنفسي، والأخر غريب تتمثل أعراضه في التشنجات وتغيرات في الملامح وتورم في الوجه، ناهيك عن الجفاف بفعل شح مياه الشرب.

تصارع الرياح المسعورة:

تخبرنا هذه الشواهد، وما تمر به فلسطين والسودان وغيرهما من البلدان، أن الحروب لا تنتهي بتوقف إطلاق النار ومنع الغارات. ففي بعض الحالات تستمر توابع الحروب إلى عقود وعقود بفعل انتشار الأوبئة والفيروسات ودمار النظام البيئي، ولذا من الضروري أن يتوقف القصف نهائيًا، لتهدأ الأرواح، ويتسع الوقت للملمة شتات الحرب وحل عقبات المعيشة من بعده ومحاولة إصلاح ما تم تدميره للبيئة.   


[i] https://www.youtube.com/watch?v=JJADWUbT7EU

[ii]Watts, Michael. Lee Peluso, Nancy. Violent Environments. United Kingdom, Cornell University Press, 2001.

[iii] Marcantonio, Richard A. Environmental Violence: In the Earth System and the Human Niche. Cambridge University Press, 2022.

[iv] Marcantonio, Richard, and Agustín Fuentes. “Environmental violence: A tool for planetary health research.” The Lancet Planetary Health, vol. 7, no. 10, 2023, https://tinyurl.com/bdd9nd93.

[v] Lee, Bandy X. “Causes and cures VIII: Environmental violence. Aggression and Violent Behavior”, vol. 30, 2016, pp. 105–109, https://tinyurl.com/yc4j7u8z.

[vi] الجـهـاز الـمـركـزي للإحصاء الـفلسطيني. تم الاسترجاع من  https://tinyurl.com/2x67c6mw– أخر تحديث: 26 نوفمبر 2023

[vii] https://news.un.org/ar/story/2023/11/1126132

[viii] https://ceobs.org/reverberating-civilian-and-environmental-harm-from-explosive-weapons-use-in-gaza/

[ix] https://www.pwa.ps/ar_page.aspx?id=7CbMqHa6617538609a7CbMqH

اقرأ ايضًا:

اشترك في قائمتنا الأخبارية